[center]بسم الله الرحمن الرحيم
وسطية الأمة بين الأمم في صفات الله
وسطية الأمة بين الأمم في صفات الله
فقد جعل الله أمة
الإسلام , أمة محمد صلى الله عليه وسلم، خير أمةٍ أخرجت للناس؛ أمةً وسطاً
ليكونوا شهداء على الناس, ويكون الرسول عليهم شهيداً ,وقد تمثلت هذه
الوسطية في كل جوانب الشريعة ولحياة. وفي مقدمة تلك الجوانب توسط المسلمين
بين اليهود والنصارى في باب التوحيد.قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه
الله:
( وكذلك في التوحيد؛
فإن اليهود شبهوا الخالق بالمخلوق، فيما يختص بالمخلوق، وهو صفات النقص
الذي يجب تنزيه الرب عنها. والنصارى شبهوا المخلوق بالخالق، فيما يختص
بالخالق، وهو صفات الكمال التي لا يستحقها إلا الله تبارك تعالى. فقال من
قال من اليهود: " إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ " وقالوا: " يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ
" وهو بخيل. وقالوا: إنه خلق العالم، فتعب، فاستراح. وحكي عن بعضهم أنه
قال: بكى على الطوفان حتى رمد، وعادته الملائكة، وأنه ناح على بعض من
أهلكه من عباده، كما ينوح المصاب على ميته. وأمثال ذلك مما يتعالى الله
عنه ويتقدس، سبحانه وتعالى. وأيضا فهم يستكبرون عن عبادة الله، وطاعة
رسله، ويعصون أمره، ويتعدون حدوده، ولا يجوزون له أن ينسخ ما شرعه، بل
يحجرون عليه. والنصارى يصفون المخلوق بما يتصف به الخالق؛ فيجعلونه رب
العالمين، خالق كل شيء، ومليكه، الذي هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.
و" اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا
أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ"
واتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، وصوروا تماثيل المخلوقات، واتخذوهم
شفعاء يشفعون لهم عند الله، كما فعل عباد الأوثان، كما قال الله تعالى :"وَيَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ
هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ
يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ "[يونس18] . ولهذا قال تعالى: "وَأَنذِرْ بِهِ
الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن
دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "[الأنعام51 ] .
وقال تعالى :"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا
تَتَذَكَّرُونَ"[السجدة ].
---والمسلمون وسط،
يصفون الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا
تكييف، ولا تمثيل. يصفونه بصفات الكمال، وينزهونه عن النقائص، التي تمتنع
على الخالق، ولا يتصف بها إلا المخلوق. فيصفونه بالحياة، والعلم، والقدرة،
والرحمة، والعدل، والإحسان، وينزهونه عن الموت، والنوم، والجهل، والعجز،
والظلم، والفناء. ويعلمون مع ذلك، أنه لا مثيل له في شيء من صفات الكمال،
فلا أحد يعلم كعلمه، ولا يقدر كقدرته، ولا يرحم كرحمته، ولا يسمع كسمعه،
ولا يبصر كبصره، ولا يخلق كخلقه، ولا يستوي كاستوائه، ولا يأتي كإتيانه،
ولا ينزل كنزوله، كما قال تعالى : "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ"[
الإخلاص ]. ولا يصفون أحداً من المخلوقين بخصائص الخالق، جل جلاله، بل كل
ما سواه من الملائكة، والأنبياء، وسائر الخلق، فقير إليه، عبد له، وهو
الصمد، الذي يحتاج إليه كل شيء، ويسأله كل أحد، وهو غني بنفسه، لا يحتاج
إلى أحد في شيء من الأشياء، كما قال تعالى :"وَقَالُوا
اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً. تَكَادُ
السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ
الْجِبَالُ هَدّاً. أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً. وَمَا يَنبَغِي
لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً. إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ
وَعَدَّهُمْ عَدّاً. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً" [ سورة مريم ].
و قال تعالى :"
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ
عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ
خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ
لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى
بِاللّهِ وَكِيلاً. لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً
لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ
عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً. فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ
وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ
وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ
لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً"[ النساء].[1]
[/center]
][1] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 2/240- 244) .